يا عبرة الدهر جاوزت المدى فينا
للشاعر: جبران خليل جبران
يَا عِبْرَةَ الدَّهْرِ جَاوَزْتِ المَدَى فِينَا
حَتَّى لَيَأْنَفُ أَنْ نَنْعَاهُ مَاضِينَا
فَالسَّهْلُ قَدْ دُفِنَتْ فِيهِ مَعَاقِلُنَا
وَالبَحْرُ قَدْ فُقِدَتْ فِيهِ جَوَارِينَا
وَانْثَلَّ مِنْ عِزِّنَا مَا عَزَّ مَطْلَبُهُ
وَانْدَكَّ مِنْ مَجْدِنَا مَا شَادَ بَانِينَا
وَعُدَّ ذَنْباً عَلَيْنَا مَا يُشَرِّفُنَا
وَعُدَّ رَفْعاً لَنَا مَا بَاتَ يُدْنِينَا
فَازَ القَوِيُّ عَلَيْنَا فِي تَضَاؤُلِنَا
وَالحَقُّ أَعْلَى وَلَكِنْ لَيْسَ يُغْنِينَا
لا فَخْرَ أَنْ يَغْلِبَ الأَقْوَى مُنَاضِلَهُ
بَلْ أَنْ يَدِينَ ضَعِيفٌ مِثْلَمَا دِينَا
يَا دَهْرُ غِنْ كُنْتَ لَمْ تُمْهِلْ شَبِيبَتَنَا
حَتَّى أَدَلْتَ انْحِطَاطاً مِنْ مَعَالِينَا
فَأَنْتَ خَيْرُ مَرَبٍّ لِلأُولَى جَهِلُوا
كَجَهْلِنَا أَنَّ تَرْكَ الحَزْمِ يُشْقِينَا
فَزِدْ مَصَائِبَنَا حَتَّى تُنَبِّهَنَا
تَكُنْ حَيَاةً لَنَا مِنْ حَيْثُ تُرْدِينَا
هُمُ سَقَوا بِدَمِ الأَكْبَادِ عَزْمَهُمُ
وَبَاتَ فِي صَدَأِ الأَغْمَادِ مَاضِينَا
فَلَمْ تَجِئْهُمْ عُلاهُمْ مِنْ شَوَامِخِهِمْ
وَلَمْ يَجِئْ خَفْضَنَا مِنْ خَفْضِ وَادِينَا
كَانَتْ عَمَالَتَنَا الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا
وَالقَوْلُ وَالفِعْلُ فِي الأَقْطَارِ مَاشِينَا
إِذَا الَّتِي أَرْضَعَتَْا ذِئْبَةٌ فَغَدَتْ
رُومَا تَصَدَّتْ تُبَارِينَا فَتَيرينَا
حَتَّى رَمَتْنَا بِدَاهِي الظُّفْرِ طَاغِيَةٍ
فَتَى دَهَاءٍ وَبَأْسٍ جَاءَ يُفْنِينا
فِي فِتْيَةٍ مِنْ بَنِي الرُّومَانِ قَدْ أَلِفُوا
نَارَ الوَغَى فَحَكَوْا فِيهَا الشَّيَاطِينَا
أَرْدَوْا عَسَاكِرَنَا أَخْلَوْا دَسَاكِرَنَا
هَدُّوا مَنَائِرَنَا طَاغِينَ بَاغِينَا
وَلَمْ يَكُنْ جُنْدُنَا إِلاَّ قَسَاوِرَة
أَبْلَوْا بَلاءَ الصَّنَادِيدِ الأَشَدِّينَا
لَكِنَّ صَرْفاً مِنَ المَقْدُورِ غَالَبَهُمْ
فَمَا نَجَا مِنْهُمُ غَيْرُ الأَقَلِّينَا
مَا بَالُنَا بَعْدَ أَنْ دُكَّتْ مَدِينَتُنَا
وَامْتَدَّ حُكْمُ الأَعَادِي فِي نَوَاحِينَا
صِرْنَا حَيَارَى سُكَارَى مِنْ تَخَاذُلِنَا
وَأَسْعَفَتْهُمْ يَدَانَا فِي تَلاشِينَا
وَأَصْبَحَتْ دَارُنَا وَالكَوْنُ تَابِعُهَا
مَثْوىً لَهُمْ وَمَوَالِيهِمْ مَوَالِينَا
تَاللهِ مَا غَلَبُونَا حَيْثُ بَاسِلُنَا
قَضَى قَتِيلاً وَنَالُوا مِنْ نَوَاصِينَا
لَكِنَّهُمْ غَلَبُونَا حِينَ مَلَّكَهُمْ
أَزِمَّةَ الأَمْرِ شَادِينَا وَرَاضِينَا
فَمَا هُمُ بِأَعَادِينَا خَلائِقُنَا
هِيَ الَّتِي أَصْبَحَتْ أَعْدَى أَعَادِينَا
أَليَوْمَ رُومَا هِيَ الدُّنْيَا وَصَوْلَتُهَا
تُنَافِسُ الأَرْضَ تَوْطِيداً وَتَمْكِينَا
وَمَا أَثِينَةُ إِلاَّ مَعْقِلٌ خَرِبٌ
نُجِيلُ أَصْفَادَنَا فِيهِ مُذَالِينَا
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
جبران خليل جبران
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
