هاتت معالم مات سيدها
للشاعر: جبران خليل جبران
هَانَتْ مَعَالِمُ مَاتَ سَيِّدُهَا
وَوَهَتْ دَعَائِمُ مَادَ أَيِّدُهَا
وَرَحَّبَتْ سَمَاءٌ كَانَ فَرْقَدُهَا
مِلْءَ العُيُونِ فَبَانَ فَرْقَدُهَا
وَيْحُ المَنِيَّةِ أَيُّ مُعْتَصِمٍ
مَدَّت إِلَى عَلْيَائِهِ يَدُهَا
فِي مِصْرَ أَنَّاتٌ مُصَعَّدَةٌ
لُبْنَانُ مِنْ أَسَفٍ يُرَدِّدُهَا
أَمُؤَلِّفِ الشَّرِكَاتِ مُقْتَحِماً
غَمَرَاتِهَا إِذْ عَزَّ مُوجِدُهَا
وَمُهَنْدِسُ الأَمْصَارِ تَحْكُمُهَا
أُسُساً وَلا تُوَطِّدُهَا
وَمَعَالِجُ الأَرْضَيْنِ تُصْلِحُهَا
مِنْ حَيْثُ كَانَ الجَهْلُ يُفْسِدُهَا
لِلْمَالِ فِيهَا كُلُّ عَائِدَةٍ
تَزْكُو وَلِلأَوْطَانِ أَعْوَدُهَا
تِلْكَ الحَدَائِقُ رَاعَ مَنْظَرُهَا
لِلآهِلينَ وَرَاقَ مَوْرِدُهَا
تِلْكَ المَرَافِقُ فِي تَعَدُّدِهَا
يَخْتَالُ عُجْباً مَنْ يُعَدِّدُهَا
يَا لِلأَسَى أَقْضَى مِصْرَ مِنْهَا
بِذَكَائِهِ وَتَوَى مُشَيِّدُهَا
ذَاكَ الَّذِي وَرَدَ الرَّدَى نَصِفاً
وَلَهُ مِنَ الآثَارِ أَخْلَدُهَا
كَانَتْ تُيَمِّمُ بَابَهُ زُمَرٌ
مَا اسْطَاعَ يُسْعِفُهَا وَيُسْعِدُهَا
يَهِبُ الهِبَاتِ لِغَيْرِ مَا عِلَلٍ
فَيَزِيدُهَا بِرّاً تَجَرُّدُهَا
وَيَكَادُ يُنْقَضُ فَضْلُ بَاذِلِهَا
فِي غِبْنِ نَائِلهَا تَعَوَّدَهَا
شَأْنُ النُّفُوسِ وَقَدْ تَنَزَّهَ عَنْ
إِحْرَازِ شُكْرٍ النَّاسِ مَقْصَدُهَا
خَلُصَتْ لِوَجْهِ الخَيْرِ نِيَّتُهَا
فَزَكَا مِنَ الذِّكْرَى تَزَوُّدِهَا
يَا رَاحِلاً رُزْءُ القُلوبِ بِهِ
لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْهُ تَعَدُّدُهَا
مَا النَّارُ فِي حَطَبٍ تَضَرُّمِهَا
كَالنَّارِ فِي كَبِدٍ تَوَقُّدِهَا
هَلْ رُحْتَ تَسْتَبِقُ المَرَاحِلَ فِي
دُنْيَاكَ حَتَّى حَانَ أَبْعَدُهَا
لَكَأَنَّ مَشْهَدَكَ المَهِيبُ وَقَدْ
مَشَتِ المَحَامِدُ فِيهِ مَشْهَدَهَا
تَبْكِي الشَّمَائِلُ أُنْسَ مُوحِشِهَا
وَمَكَارِمُ الأَخْلاقِ تُسْعِدُهَا
كَانَ المِضَنَّةَ لِلنُّفُوسِ فَلَمْ
يَشْفَعْ بِهِ أَنْ ضَنَّ أَجْوَدُهَا
مَادَتْ بِهَا شُمُّ الصُّرُوحِ فَهَلْ
شَعَرَتْ بِحَدْثَانٍ يُهَدِّدُهَا
كَيْفَ الثَّبَاتُ وَكَانَ أَرْسَخَ مِنْ
طَوْدٍ فَلَمْ يَثْبُتْ مُشَيِّدُهَا
تَبْكِي المُرُوءةُ أَنَّ نَاصِرَهَا
وَلَّى وَأَقْوَى مِنْهُ مَعْهَدُهَا
تَوَتِ العَزَائِمُ غَيْرَ أَنَّ لَهَا
بَيْنَ الوَرَى سِيَراً تُخَلِّدُهَا
وَلَهَا ذَخائِرُ فِي الحَيَاةِ وَفِي
مَا بَعْدُ يَبْلِي الدَّهْرَ سَرْمَدُهَا
قَدْ كَانَ يُنْشِيءُ كُلَّ مَنْقَبَةٍ
يُدْعَى إِلَيْهَا أَوْ يُجَدِّدُهَا
صَرَّفْتَ عَقْلَكَ فِي الفُنُونِ فَلَمْ
يَفْلُتْهُ أَجْدَاهَا وَأَجْوَدُهَا
وَشَرَعْتَ فِي الأَعْمَالِ تُحْكِمُهَا
أُسُساً وَلا تَأْلُو تُوَطِّدُهَا
اللهُ فِي أُمٍّ تُقِيمُ عَلَى
مَا نَابَهَا وَيَزُولُ أَوْحَدُهَا
وَحَلِيلَةٌ فَقَدَتْ مُدَلَّهَةً
مَنْ كَانَ بَعْدَ اللهِ يَعْبُدُهَا
وَشَقِيقَةٌ شَقَّتْ مَرَارَتَهَا
مِنْ حُزْنِهَا إِذْ بَانَ مُنْجِدُهَا
وَعَشِيرَةٌ أَدْمَى مَآقِيَهَا
بِنَوَاهُ أَسْرَاهَا وَأَمْجَدَهَا
هِيَ أُسْرَةٌ كَشَفَتْ مَقَاتِلَهَا
لِلدَّهْرِ لَمَّا صِيدَ أَصْيَدُهَا
تَرْجُو ابْنَهُ لِمَفَاخِرَ وَعُلَى
فِي إِثْرِ وَالدِهِ يُجَدِّدُهَا
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
جبران خليل جبران
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
