في أي جو بالأسى مفعم
للشاعر: جبران خليل جبران
فِي أي جِوٍّ بِالأَسَى مُفْعَمِ
يَتَّصِلُ المَأْتَمُ بِالمَأْتَمِ
يَا بَالِغَ الستِينَ كَمْ صَاحِبٍ
أَبَرَّ يَمْضِي وَأخٍ أَكْرَمِ
مَا لِلْمَنَايَا وَرِجَالاتِنَا
يَفْتِكْنَ بِالأَعْظَمِ فَالأَعْظَمِ
مُحَمَّدٌ فِي صَدْرِ أَيَّامِهِ
وَلَّى وَلَمْ يَدْلِفْ وَلَمْ يَهْرِمِ
كَبَا بِهِ الْجَدُّ وَشِيكاً كَمَا
كَبا جَوَادُ الْفَارِسِ المُعْلَمِ
فِي مِصْرَ تَعْدِيدٌ وَفِي الشَّامِ تَرْ
دِيدٌ لِذَاكَ النَّبَأِ المُؤْلِمِ
وَفِي رُبَى لُبْنَانَ شَجْوٌ عَلَى
ذَاكَ الرَّئِيسِ الأَحْصَفِ الأَحْزَمِ
تَجْرِي مَآقِينَا دُمُوعاً وَمَا
يُغْنِينَ مِنْ غَارِبَةِ الأَنْجُمِ
يَا أَيُّهَا الكَوْكَبُ مِنْ كَوْكَبٍ
وَأَيُّهَا الخِضْرِمُ مِنْ خِضْرِمِ
لا طَامِعٌ فِي غَيْرِ مَا مَطْمَعٍ
أَوْ زَاعِمٌ فِي غَيْرِ مَا مَزْعَمِ
مِنْ كُل دِينٍ كَانَ أَصْحَابُهُ
وَكَانَ حَقَّ المُؤْمِنِ المُسْلِمِ
إِنْ تَتَبَيَّنْ كُنْهَهُ لَمْ تَجِدْ
أَمْثَالَ ذَاكَ الْكَنْزِ فِي مَنْجَمِ
ذَاقَ أَذَى النَّاسِ وَلَكِنَّهُ
لَمْ يَنْتَقِمْ يَوْماً وَلَمْ يَنْقِمِ
فِي طَبْعِهِ الحِلْمُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ
يَرْفَعْهُ عَنْهُمْ قَدْرُهُ يَحْلُمِ
آدَابُهُ مِنْ نَسَقٍ لامِعٍ
كَنَسَقِ اللُّؤْلُوءِ إِنْ يُنْظَمِ
أَخْلاقُهُ أَخْلاقُ حُرٍّ نَبَتْ
بِهَا التَّجَارِيبُ وَلَمْ تُثْلَمِ
أَلْفَاظُهُ ُقَطْرُ نَدًى خَالِصٍ
مِنَ الْقَذَى يَشْفِي أُوَارَ الظَّمِي
قَضَى حَيَاةً كُلُّ سَاعَاتِهَا
سِلْسِلَةٌ فِي المَجْدِ لَمْ تُفْصَمِ
فِي ذِمَّةِ اللهِ الصَّدِيقُ الَّذِي
أَصْفَيْتُهُ وُدِّي وَلَمْ أَنْدَمِ
وَالِدُكَ الأَمْجَدُ فِي المُنْتَمَى
زَادَتْهُ مَجْداً رِفْعَةُ المُنْتَمِي
أَعْلَيْتَ مَا شَادَ فَأَضْحَى لَهُ
ظِلٌّ إِلَى أَقْصَى مَدىً يَرْتَمِي
لا بعُدَتْ ذِكْرَاكَ مِنْ رَاحِلٍ
قَدْ كَانَ سَبْطَ الْيدِ عَفَّ الْفَمِ
وَكَانَ جِسْراً لِتَلاقِي الْعُلَى
مِنْ عُدْوَتَيْهَا وَبِهَذَا سُمِي
مَنْ يَلْتَمِسْ وَصْفاً لَهُ صَادِقاً
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّاعِرِ المُلْهَمِ
مُحَمَّدٌ زَادِي النَّدَى وَالْقِرَى
وَجَبَلُ اللاَّجِيءِ وَالمُحْتَمِي
أَلناقِضُ المُبْرِمُ عَنْ فِطْنَةٍ
تَصْدُقُ إِنْ يَنْقُضْ وَإِنْ يُبْرِمِ
أَلفَيْصَلُ الفَارُوقُ فِي حَلِّ مَا
أَعْضَلَ إِنْ يَفْصِلْ وَإِنْ يَحْكَمِ
مَنَارَةُ النُّوَّابِ إِنْ حُيِّرَتْ
سَبِيلُهُمْ فِي المَعْبَرِ المُظْلِمِ
هُدَى الْوِزَارَاتِ إِذَا فَاتَهَا
وَجْهُ الْهُدَى فِي المَطْلَبِ المُبْهَمِ
مُسْعِدُ مَنْ يَمَّمَ سَاحَاتِهِ
إِنْ يَعْدِمِ المُسْعِدَ أَوْ يُعْدَمِ
قُوسِمْتُ فِي حُزْنِي عَلَيْهِ فَمَا
بَالِي كَأَنَّ الْحُزْنَ لَمْ يُقْسَمِ
عَجِبْتُ لِلأَيَّامِ أَبْقَيْنَنِي
حَيّاً وَقَلْبِي مُلْتَقَى الأَسْهُمِ
فَمَا رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَادِثٌ
فِي بَلَدٍ إِلاَّ وَقَلْبِي رُمِي
مَنْ كَثُرَتْ أَصْحَابُهُ حَوَّلَتْ
حُلْوُهُمُ الدُّنْيَا إِلَى عَلْقَمِ
يَا لَدَمِي أَشْعُرُ أَنَّ الأَسَى
يَصُبُّ جَمْراً سَائِلاً فِي دَمِي
مُحَمَّدٌ اذْهَبْ بِسَلامٍ وَطِبْ
إِنَّكَ لَمْ تُمْلِلُ وَلَمْ تُذْمَمِ
كُنْتَ لِمَنْ عَايَشْتَهُ رَاحِماً
فَالْقَ الرِّضَى مِنْ رَبِّكَ الأَرْحَمِ
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
جبران خليل جبران
مجلس قراء هذه القصيدة
مساحة للتذوق الفني وتبادل الآراء حول الأبيات
