جفون دمعها أبدا غزير
للشاعر: حسن حسني الطويراني
جفون دمعها أَبداً غزيرُ
وَقلبٌ يستطيرُ بهِ الزفيرُ
وَشَوقٌ دائمٌ بعدَ التَنائي
يَجورُ وَحزمُ نَفسٍ لا يُجير
عَلى أَيّ الأَحبة صرتُ أَبكي
وَمَن أَبكيهم الخلق الكَثير
فَذا وَدّعتُه وَالدَمع يَجري
وَذاكَ فقدتُه وَهوَ الظَهير
وَذا لا أَستطيع لَهُ سَبيلاً
وَذاكَ لقاؤه أَمرٌ عسير
وَزاد تَحسري تفريقُ جَمعٍ
بفرقتِه لنا افترقَ السُرور
وَأَيأسنى من الدُنيا شَبابٌ
عَلى رَغمي تَولّى لا يَحور
وَقَدماً بتّ ذا جفنٍ قَريرٍ
وَلي قَلب بِمَن يَهوى قَرير
وَقَدماً كانَ لي لعبٌ وَلَهوٌ
وَبِالأَحباب وَالدُنيا الغَرور
وَقَد كانَت بِهم تَزهى اللَيالي
وَهمٌّ غائبٌ وَهُمُ حضور
وَكُنتُ وَلَستُ أَنكرُ ما تَقضّى
عَلى الغايات لي أَمرٌ يَسير
فَكَم قصرٍ كَوُكنِ النسرِ بُعداً
سَمَوتُ لَهُ عَلى مَهلٍ أَزور
وَكَم خدرٍ كعيص اللَيث عزّاً
خلصتُ لَهُ وَما أَغنى الزَئير
وَكُلٌّ كان يَملكُه شَبابي
وَكُلٌّ حَيثُ آمره يَسير
وَللصهباء شَمسٌ كَم تَجلَّت
عَلَينا وَالمديرُ بِها يَدور
فَليلٌ حَيث نمسي في هَناءٍ
وَصبحٌ مثلما نَهوى يُنير
فَإِن بتنا شكونا قصرَ لَيلٍ
وَليلُ الوَصلِ حَيث صَفا قصير
وَإِن نصبح فرحنا وَاصطبحنا
وَتنعمنا الأَصائل فالبكور
أَرى هذا أُخَيّ وَذا حَبيبي
وَكُلٌّ بِالهَنا نَحوي يشير
أَلا يا قلبُ هان لَك التَسلّي
وَقَد ضمت جَميعَهمُ القُبور
وَقَد يا عَين جفَّ الدمعُ منا
وَما جفَّت وَلا فَنيت بحور
أَبعد تفرّدي عن كُل خلٍّ
كَأَنّ جَبينه البَدرُ السفور
وَبَعد تشتُّتِ الجَمعِ المفدّى
تُغرّرُنا من الدُنيا أُمور
دَعى يا نَفسُ ما تَدعوا الأَماني
فَإِنّ مصيرَنا ذاكَ المصير
فَلا حبٌّ يَدوم وَلا محبٌّ
وَلا ملكٌ يَعيش وَلا وزير
وَللدنيا أُمورٌ وَالبَرايا
يَهوّنُ جلَّها الرَجل البَصير
مَتى كانَ البَقاءُ إِلى فَناءٍ
وَغاياتُ المقرّ هوَ العبور
فَماذا يُبتغَى من دارِ ذلٍّ
وَغايتُها التحوّلُ فَالمرور
فَيا وَيح العُيون تَرى وَتَنأى
وَيَشغلُ ربَّها الطَيفُ الغَرير
كَأني حين أَذكرُ من تَولى
وَقَد مَضت الأداهرُ فَالعُصور
صَريعٌ لَيسَ يدرك من رماه
وَلا يُرجَى وَلَيسَ لَهُ ثَئير
فَيا لِلّه ما أَقسى فؤادي
لعمري إنه قاسٍ صبور
أَبعد أَحبةٍ يَهوى وَيَلهو
وَتُشرَبُ بَعدَ ساقيها الخُمور
وَيا لِلّه ما أَقوى عُيوني
عَلى صَبِّ الدُموع فَما تمير
أَيحسن أَن تَرى غُصناً نَضيراً
وَما فَقدت هوَ الرَوض النَضير
فَآهٍ لَو شفت آهٌ غَليلاً
وَرجعاً لو تُطاوعنا الدُهور
وَكيفَ وَلَست تدفع ما قضاه
وَلم يدفعه ما أَبدى قصير
فَدَع ما لَيسَ يُغني عَنك شَيئاً
فَإِنّ اللَه قهارٌ كَبير
وَهبك تَنال بالجدّ الثريا
فَهل بَعد العلا إِلا الدثور
وَهَل غير القُبور محطُّ رَحلٍ
وَإِن جدّت ببانيها القصور
عَلى تلكَ الوجوه وَإِن تفانَت
سَلامُ اللَه ما طلعَت بدور
وَدَمعٌ يفضحُ الأَجفانَ قانٍ
وَحزنٌ منهُ تنشقُّ الصدور
فَيا تلك الأَحبةُ كَيفَ بِنّا
أَلَيسَ البينُ ذو خطبٍ يضير
تسابقنا فجدّ بكم حَثيثٌ
وَأَبطأ بي أَنا الأَجلُ العَثير
أَلا رَجعٌ لَكُم نحوي وَإِلا
فَسيرا بي وَإِن بطل المَسير
لعمري ما نسيتُ لكم وَفاءً
وَما أَنا في بِعادكمُ صبور
وَلكنّ الأُمور لَها حدودٌ
مقدّرةٌ وَيَعلمُها القدير
0 أبيات مختارة
عن الشاعر
حسن حسني الطويراني
