تأمل خليلي هل ترى ضوء بارق
للشاعر: تميم بن أبي بن مقبل
تَأَمَّلْ خَلِيليَ هَلْ تَرَى ضَوْءَ بَارِقٍ
يَمَانٍ مَرَتْهُ رِيحُ نَجْدٍ فَفَتَّرَا
مَرَتْهُ الصَّبَا بِالغَوْرِ غَوْرِ تِهَامَةٍ
فَلَمَّا وَنَتْ عَنْهُ بِشَعْفَيْنِ أَمْطَرَا
يَمَانِيَةٌ تَمْرِي الرَّبَابَ كَأَنَّهُ
رِئَالُ نَعَامٍ بَيْضُهُ قَدْ تَكَسَّرَا
وطَبَّقَ لَوْذَانَ القَبَائِلِ بَعْدَمَا
سَقَى الجِزْعَ مِنْ لوْذَانَ صَفْواً وأَكْدَرَا
فَأَمْسَى يَحُطُّ المُعْصِمَاتِ حَبِيُّهُ
وأَصْبَحَ زَيَّافَ الغَمَامَةِ أَقْمَرَا
كَأَنَّ بِهِ بَيْنَ الطَّرَاةِ ورَهْوَةٍ
ونَاصِفَةِ الضَّبْعَيْنِ غَاباً مُسَعَّرَا
فَغَادَرَ مَلْحُوباً تُمَشِّي ضِبَابُهُ
عَبَاهيلَ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا المَاءُ مَحْجَرا
أَقَامَ بِشُطَّانِ الرِّكَاءِ ورَاكِسٍ
إِذَا غَرِقَ ابْنُ المَاءِ في الوَبْلِ بَرْبَرَا
أَصَاخَتْ لَهُ فدْرُ اليَمَامَةِ بَعْدَمَا
تَدَثَّرَهَا مِنْ وَبْلِهِ مَا تَدَثَّرَا
أَنَاخَ بِرَمْلِ الكَوْمَحَيْن إِنَاخَةَ اليَمَانِي
قِلاَصاً حَطَّ عَنْهُنَّ أَكْوُرَا
أجِدِّي أَرَى هذَا الزَّمَانَ تَغَيَّرا
وبَطنَ الرِّكَاءِ مِنْ مَوَالِيَّ أَقْفَرَا
وكَائِنْ تَرَى مِنْ مَنْهَلٍ بَادَ أَهْلُهُ
وعِيدَ عَلَى مَعْرُوفِهِ فَتَنَكَّرَا
أَتَاهُ قَطَا الأَجْبَابِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
فَنَقَّرَ في أَعْطَانِهِ ثُمَّ طَيَّرَا
فَإِمَّا تَرَيْني قَدْ أَطَاعَتْ جَنيبَتِي
وخُيِّطَ رَأْسي بَعْدَ مَا كَانَ أَوْفَرَا
وأَصْبَحْتُ شَيْخاً أَقْصَرَ اليَوْمَ بَاطِلي
وأَدَّيْتُ رَيْعَانَ الصِّبَا المُتَعوَّرَا
وقَدَّمْتُ قُدَّامِي العَصَا أَهْتَدِي بِهَا
وأَصْبَحَ كَرِّي لِلصَّبَابَةِ أَعْسَرَا
فَقَدْ كُنْتُ أُحْذِي النَّابَ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً
فأُبْقِى ثَلاثاً والوَظِيفَ المُكَعْبَرَا
وأَزْجُرُ فِيهَا قَبْلَ تَمِّ ضَحَائِهَا
مَنِيحَ القِدَاحِ والصَّرِيعَ المُجَبَّرَا
تُخُيِّرَ نَبْعَ العَيْكَتَيْن ودُونَهُ
مَتَالِفُ هَضْبٍ تَحْبِسُ الطَّيْرَ أَوْعَرَا
فَمَا زَالَ حَتَّى نَالَهُ مُتَغَلْغِلٌ
تَخَيَّرَ مِنْ أَمْثَالِهِ مَا تَخَيَّرَا
فَشَذَّبَ عَنْهُ النَّبْعَ ثُمَّ غَدَا بِهِ
مُجَلًّى مِنَ اللاَّئِي يُفَدَّيْنَ مِطْحَرَا
يُطِيعُ البَنَانَ غَمْزُهُ وهْوَ مَانِعٌ
كَأَنَّ عَلَيْهِ زَعْفَرَاناً مُعَطَّرَا
تَخِرُّ حِظَاءُ النَّبْعِ تَحْتَ جَبِينِهِ
إِذَا سَنَحَتْ أَيْدِي المُفِيضينَ صَدَّرَا
تَبَادَرُهُ أَيْدِي الرِّجَالِ إِذَا بَدَتْ
نَوَاهِدع مِنْ أَيْدِي السَّرَابِيلِ حُسَّرَا
وإِنِّيَ لأَسْتَحْيِي وفي الحَقِّ مُسْتَحىً
إِذَا جَاءَ بَاغِي العُرْفِ أَنْ أَتَعَذَّرَا
إِذَا مِتُّ عَنْ ذِكْرِ القَوَافِي فَلَنْ تَرَى
لَهَا تَالِياً مِثْلَي أَطَبَّ وأَشْعَرَا
وأَكْثَرَ بَيْتاً مَارِداً ضُرِبَتْ لَهُ
حُزُونُ جِبَالِ الشِّعْرِ حَتَّى تَيَسَّرَا
أَغَرَّ غَرِيباً يَمْسَحُ النَّاسُ وَجْهَهُ
كَمَا تَمْسَحُ الأَيْدِي الأَغَرَّ المُشَهَّرَا
فَإِنْ تَكُ عِرْسي نَامَتِ الَّليْلَ كُلَّهُ
فَقَدْ وَكَلَتْني أنْ أَصَبَّ وأَسْهَرَا
أَلاَ لَيْتَ ليْلَى بَيْنَ أَجْمَادِ عَاجِفٍ
وتِعْشَارِ أَجْلَى في سَرِيجٍ وَأَسْفَرَا
ولكِنَّمَا لَيْلَى بِأَرْضٍ غَرِيبَةٍ
تُقَاسي إِذَا النَّجْمُ العِرَاقِيُّ غَوَّرَا
فإِمَّا تَرَيْنَا أَلْحَمَتْنَا رِمَاحُنَا
وخِفَّةُ أَحْلاَمٍ ضِبَاعاً وأَنْسُرَا
فَمَا نَحْنُ إِلاَّ مِنْ قُرُونٍ تُنُقِّصَتْ
بأَصْغَرَ مِمَّا قَدْ لَقِيتُ وأَكْبَرَا
وشَاعِرِ قَوْمٍ مُعْجَبِينَ بِشِعْرِهِ
مَدَدْتُ لَهُ طُولَ العِنَانِ فَقَصَّرَا
لَقَدْ كَانَ فِينَا مَنْ يَحُوطُ ذِمَارَنَا
ويُحْذِي الكَمِيَّ الزَّاعِبِيَّ المُؤَمَّرَا
ويَنْفَعُنَا يَوْمَ البَلاءِ بَلاَؤُهُ
إِذَا اسْتَلْحَمَ الأَمْرُ الدَّثورَ المُغَمَّرَا
وخَطَّارَةٍ لَمْ يَنْضَحِ السِّلْمُ فَرْجَهَا
تُلَقَّحُ بِالمُرَّانِ حَتَّى تَشَذَّرَا
شَهِدْنَا فَلَمْ نَحْرِمْ صُدُورَ رِمَاحِنَا
مَقَاتِلَهَا والمُشْرَفيَّ المذَكَّرَا
وكُنا إِذَا مَا الخَصْمُ ذُو الضِّغْنِ هَرَّنَا
قَدَعْنَا الجَمُوحَ واخْتَلَعْنَا المُعَذَّرَا
نَقُومُ بِجُلاَّنَا فَنَكْشِفُهَا مَعاً
وإِنْ رَامَنَا أَعْمَى العَشِيَّةِ أَبْصَرَا
ويَقْدُمُنَا سُلاَّفُ حَيٍّ أَعِزَّةٍ
تَحُلُّ جُنَاحاً أَوْ تَحُلُّ مُحَجَّرَ
كَأَنْ لَمْ تُبَوِّئْنَا عَنَاجِيجُ كَالقَنَا
جَنَاباً تَحَامَاهُ السَّنَابِكُ أخْضَرَا
ولَمْ يَجْرِ بِالأَخْبَارِ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ
أَشَقُّ سَبُوحٌ لَحْمُهُ قَدْ تَحَسَّرَا
كَأَنَّ يدَيْهِ والغُلاَمُ يَكُفُّهُ
جَنَاحَانِ مِنْ سُوذَانِقٍ حِينَ أَدْبَرَا
أَقَبُّ كَسِرْحَانِ الغَضَا رَاحَ مُؤْصِلاً
إِذَا خَافَ إِدْرَاكَ الطَّوَالِبِ شَمَّرَا
أَلَهْفِي عَلَى عِزٍّ عَزِيزٍ وظِهْرَةٍ
وظِلٍّ شَبَابٍ كُنْتُ فِيهِ فَأَدْبَرَا
وَلَهْفِي عَلَى حَيَّيْ حُنَيْفٍ كِلَيْهِمَا
إِذَا الغَيْثُ أَمْسَى كَابِي الَّلوْنِ أَغْبَرَا
يُذَكِّرُنِي حَيَّيْ حُنَيفٍ كِلَيْهِمَا
حَمَامٌ تَرَادَفْنَ الرَّكِيَّ المُعَوَّرَا
ومَا لِيَ لاَ أَبْكِي الدِّيَارَ وأَهْلَهَا
وقَدْ حَلَّهَا رُوَّادُ عَكّ وحِمْيَرَا
فَإِنَّ بَنِي قَنْيَانَ أَصْبَحَ سَرْبُهُمْ
بِجَرْعَاءِ عَبْسٍ آمِناً أَنْ يُنَفَّرَا
عن الشاعر
تميم بن أبي بن مقبل
