إذا لم يكن في دولة العلم حاجب
للشاعر: جبران خليل جبران
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَوُلَةِ العِلمِ حَاجِبُ
أَمِيرَ النُّهَى إِذْناً فَإِنِّي مُخَاطِبُ
خِطَابَ فَتىً يَرْعَى مَقَامَيْ جَلاَلَةٍ
أَعَزَّهُمَا مَا لَمْ تُنِلكَ المَنَاسِبُ
أَحَلَّتْكَ مِنْهُ اللَّوْذَعِيَّةُ مَنْصِباً
عَلَى سَنَمٍ تَنْحَطُّ عَنْهُ المَنَاصِبُ
إِلَيْكَ كَتَاباً فِيهِ أَحْيَيْتَ سَاهِراً
لَيَالِيَ كَانَتْ مِنْ دُجَاهَا النَّوَائِبُ
وَقَفْتُ عَلَيْهِ سُهْدَ فِكْرِي وَدُونَهُ
مَصَائِبُ تَثْنِيني وَدَهْرٌ يُحَارِبُ
ثَبَاتِي مِنَ السُّقْمِ المُقِيمِ أَفَدْتُهُ
وَصَبْرِيَ مَمَّا أَكْسَبَتْنِي المَتَاعِبُ
لَوِ الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ وَهْوَ مُسَاهِرِي
رَأَى مَا أُقَاسِي لاَغْتَدَى وَهْوَ شَاحِبُ
كِتَابٌ أُعَانِي جَمْعَهُ حَيْثُ خَاطِرِي
شَتِيتٌ وَبِي شُغْلٌ مِنَ الهَمِّ نَاصِبُ
دَعَانِي لَهُ اسْتِكْمَالُ عَهْدِكَ لِلْمُنَى
وَنُورُكَ لِي هَادٍ وَأَمْرُكَ غَالِبُ
فَجَاءَ قَلِيلاً مِنْ قَلِيلٍ وَإِنَّمَا
تَوَفَّرَ فِيهِ بَحْثُهُ وَالمَطَالِبُ
عَتِيقٌ مَعَانِيهِ جَدِيدٌ سِيَاقُهُ
يُعِيدُ شَبَابَ الدَّهْرِ وَالدَّهْرُ شَائِبُ
يَقُصُّ حَدِيثَ الكَوْنِ مُنْذُ ابْتِدَائِهِ
وَمَا َأخْلَفَتْ أَحْدَاثُهُ وَالتَّجَارِبُ
وَتَمْثُلُ أَجْيَالُ الوَرَى فِيهِ بَادِياً
خَفِيَّ طَوَايَاهَا لَدَى مَنْ يُرَاقِبُ
هُنَالِكَ أَقْوَامٌ تَجِيءُ وَتَنْقَضِي
وَتَتْبَعُهَا أَطْوَارُهَا وَالمَذَاهِبُ
مَمَالِكَ تُبْنَى بِالصَّوَارِمِ وَالقَنَا
وَتَهْدِمُهَا أَوْزَارُهَا وَالمَعَايِبُ
غَرَائِبُ أَدْيَانٍ وَجِنْسٍ وَمَشْرَبٍ
وَخَلقٍ وَأَخْلاقٍ تَلِيهَا غَرَائِبُ
تَمُرُّ وَنُورُ النَّقْدِ يُبْدِي خَفِيَّهَا
سِرَاعَاً كَمَا مَرَّتْ بِشَمْسٍ سَحَائِبُ
وَلَمْ أَرَ شَيْئاً كَالْفَضِيلَةِ ثَابِتاً
نَبَتْ عَنْهُ آفَاتُ البِلَى وَالمَعَاطِبُ
وَمَنْ يَصْطَحِبْهَا كَاصْطِحَابِكَ رَاشِداً
فَإِنَّ لَهُ المَجْدَ المُخَلَّدَ صَاحِبُ
سَيَدْرِي بَنُو الأَيَّامِ آخِرَ دَهْرِهِمْ
مَنَاقِبَ عَبَّاسٍ وَنِعْمَ المَنَاقِبُ
وُتُرْوَى لَهُمْ عَنْهُ فِعَالٌ جَمِيلَةٌ
تُضِيءُ سَمَاءَ الذِّكْرِ مِنْهَا كَوَاكِبُ
أَطَالَ لَكَ الرَّحْمَنُ عَهْداً مُبَارَكاً
فَوَاتِحُهُ غُنْمٌ لَنَا وَالعَوَاقِبُ
فَحُكْمُكَ شَمْسُ الحَقِّ فِينَا إِضَاءَةً
وَكُلُّ مُضِيءٍ مَا سِوَى الحَقِّ كَاذِبُ
وَفَضْلُكَ فِينَا لِلفَضَائِلِ مَنْبِتٌ
مَشَارِقُ مِصْرٍ رَوْضُهُ وَالمَغَارِبُ
فَمَنْ شَاعرٌ مِنَّا فَحَمْدُكَ نَاظِمٌ
وَمَنْ نَاثِرٌ مِنَّا فَمَجْدُكَ كَاتِبُ
مَتَى تَصْدَحِ الأَطْيَارُ فَالفَجْرُ صَادِحٌ
وَإِنْ تَسْكُبِ الأَمْطَارُ فَالبَحْرُ سَاكِبُ
عن الشاعر
جبران خليل جبران
